همسات الروح
في عتمةِ الأنوارِ تضيعُ أحلامُ القلوبِ البريئة
وفي قلبِ الأعاصير الهادرة
يسترخي الحلمُ الجميل في هدوءٍ
وراحة .
وبين الأنواءِ الثائرة
يقودُ الحلمُ زورقهُ بمجاذيفَ صاغها
من أخشابِ غابته السحرية حيث
تنعمُ روحهُ بالسكينة ِ والسلام ْ
ومن هناك من وراءِ اختلاطِ الأشكالِ والألوان
وتمازجها حيث يلجُ كلُّ شيءٍ في دوَّامة اللآنهايات
لم يعد لأيِّ شيءٍ معنىً ويترمدُ الوجود
وتتيبَّسُ شجرةُ الحياةِ فتذبلُ أوراقُها وتتساقطُ
أغصانُها . ومن ثم وفجأةً يتولَّدُ من اليباس
والرمادِ حلمٌ جميلٌ ، روحٌ نقيةٌ
تهيمُ حباً بالعالمِ والإنسان
فتغسلُ بدموعها ما تراكم من غبارٍ
عبر الدهور لتساعده على النهوض
والولادة ِ الجديدة .
رضيتْ هذه الروح لنفسها أن تُصلَب آلاف المرات
حباً وعِشقاً وهياماً بالعالمِ والإنسان .
وقد تكشفَّتْ لها جبلةُ هذا الإنسان وما احتوته
من نقائص وعيوب .
فالحبُّ عنده أنانية وعدوانية ونرجسية ،
والسعادة امتلاكٌ وتسلطٌ
والفرحُ انتشاءٌ بملذاتٍ باهتةٍ
ولو على أوجاعِ الآخرين .
أدمن الإنسان في هذا العالم لغةَ التراب ِ
وأثملتهُ مباهجُ الجسدِ فعميتْ عينُه عن رؤيةِ حقيقة نفسِه ...
تناسى ما لروحه عليه من حق ،
فعبدَ الباطلَ بأصنامِه وأوثانِه
وأقام له في قلبِه هياكلَ ومعابدَ
وهجرَ روحَه القدسية وخلَّفها
وراءه تبكي وتنتحب .
فتمركزتْ في أحاسيسه وتمحورتْ في مشاعرِه
كلُّ الأباطيلِ
والخرافات والتهاويل حتى أصبح
غريباً عن ذاتِه الحقيقية .
وهنا المفارقة ُ الكبرى في هذا العالم ...
روحٌ وجدتْ ذاتها فاحتضنتْ الكونَ
بعشقِ الروحِ وطهارتِها ونورانيتها فأصيبت ْ
بالخيبةِ والإحباطِ لأنها تخلتْ عن لغة التراب وأساليبِها
وأصبحت غريبة ،طريدة في عالم ٍ غريب ٍلا يفهمُ
إلاَّ لغة واحدةً هي لغة المادة والجسدِ .
وحتى نحن معشرُ الأدباء فغالباً ما تسحرُنا الحروفُ
والكلماتُ فننبهرُ بها ونكتفي ونغضُّ الطرفَ عما
وراءَها من تموجات الروح وألحانِها .
أبكي على العالم الذي أضاعَ نفسه وفقد ذاته واصبح يُقيِّمُ
حتى أقدس المقدسات بموازين ومعايير المادة .
فنحن كلنا تعساءٌ وأشقياءٌ على هذه الأرض ،
فلماذا لا نروِّضُ نفوسَنا وندرِّبها على فضِّ ثيابِ
النفاقِ والزيفِ والرياء عِشقاً وحباً وهياماً
بالروح النقية الصافية ؟
لماذا لا نمدُّ أيادينا لبعضنا بعضاً فننزعُ عنا أغطيةَ
التراب ِونُزيلُ عن عيوننا غشاوةَ الغبار ونبدأ من جديد
نرى ذواتنا والعالمَ من حولنا بمنظار
الروح التي لا تُخطيء ؟
لا يغرَّننا هذا العالم ببريقِه ولمعانِه فهو كلُّه زيفٌ وبهتان .
هلمَّ يا أخي نلمُّ شملنا ونحتضنُ بعضنا بعضاً فكلنا مخلوقاتُ الله
وحياتنا على الأرض مهما طالتْ ليست سوى حفنةٍ من الأيام .
{ أضمك إلى صدري بحبٍّ وحنان }
حكمت نايف خولي / من قبلي / أنا كاتبها